لداء الإعجاب بالنفس تأثيرات سلبية، ومخاطر عظيمة على كل من يصاب به، ويكفى في بيان خطورته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعده من المهلكات .. قال صلى الله عليه وسلم: " .. فأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه "[1].
الإعجاب بالنفس شرك بالله:
فعندما يعجب المرء بنفسه – ولو في جزئية صغيرة – فإنه سيراها بعين التعظيم، فيثق بها ويتكل عليها في جلب النفع له في هذه الجزئية، وهذا لون خطير من ألوان الشرك.
يقول ابن تيميه رحمه الله: الرياء من باب الإشراك بالخلق، والعُجب من باب الإشرك بالنفس[2].
ويؤكد د. محمد سعيد البوطي على هذا المعنى فيقول:
ليس الشرك محصورًا في معناه السطحي المتمثل في عبادة الأصنام وما سوى الله، أو المتمثل في أن يتجه أحدنا بالدعاء إلى غير الله، بل إن له معنى خفيًا يتسرب بسبب خفائه إلى أفئدة ونفوس كثير من المسلمين دون معرفة له وشعور به، وذلك هو مصدر خطورته، إذ لا يصادف عملًا صالحًا، أوعبادة من العبادات أو نوعًا من أنواع الجهاد، إلا أحبطه وأفقده قيمته، وحوله من طاعة مبرورة إلى معصية وشرك، وصدق الله القائل: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [ يوسف: 106 ].
.. هذا الشرك الخفي هو أن يرى الإنسان من ذاته شيئًا هو مبعث القوة إن سار وتحرك، ومبعث الدراية والفهم إن علم وتعلم، أو مبعث الملك والغنى إن شبع وتنعم، أو مبعث الغلبة والقهر إن قدر وتحكم.
فهذه كلها أوهام تناقض الحقيقة التي ركب منها الإنسان، ومِن ثَمّ فهي تناقض التوحيد، وتناقض حال من يزعم أنه موحد من حملة هذه الأوهام[3].
ღخطورة الإعجاب بالنفس "مهم جدا"ღ
يحبط العمل ويفسده:
يقول النووي: اعلم أن الإخلاص قد يعرض له آفة العُجب، فمن أعجب بعمله حبط عمله، وكذلك من استكبر حبط عمله[4] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾ [ البقرة: 264 ].
فإن قلت: ولماذا يحبط العُجب العمل الصالح ؟!
كان الجواب: لأن الله عز وجل لا يقبل إلا ما كان خالصًا لوجهه، واستعين به سبحانه على أدائه، والمُعجب يستعين بنفسه أكثر مما يستعين بالله، لذلك قال ابن تيمية: المُعجب بنفسه لا يحقق إياك نستعين، كما أن المرائي لا يحقق إياك نعبد.
فالعُجب يحبط العمل الصالح الذي قارنه لأنه ينافي الإخلاص لله عز وجل …
كان المسيح عليه السلام يقول: يا معشر الحواريين كم من سراج قد أطفأته الريح، وكم من عابد قد أفسده العُجب[5].
فيا بؤس المُعجب بنفسه، وهو يرى عمله الذي بذل فيه جهده قد أُحبط .. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء: إنها خطيئة فليستقبل العمل"[6].
ويطلق يحيى بن معاذ تحذيرًا شديدًا فيقول: إياكم والعُجب، فإن العُجب مهلكة لأهله، وإن العُجب ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .. فالذي يبيت نائمًا ويصبح نادمًا، خير ممن يبيت قائمًا ويصبح مُعجبا.
قيل لابن المبارك: ما الذنب الذي لا يغفر؟ قال: العُجب.
وكان الصالحون يرون: أنه يموت مذنبًا نادمًا أحب إليهم من أن يموت مُعجبا.
جاء في الحديث: " كان رجلان في بني إسرائيل متواخيان، وكان أحدهما مذنبًا ولآخر مجتهدًا في العبادة، وكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب، فيقول أقصر. فوجده يومًا على ذنب، فقال له: أقصر. فقال: خلني وربي، أبعثت على رقيبًا ؟! فقال: والله لا يغفر الله لك، أو: لا يدخلك الله الجنة، فقبض روحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالمًا، أو كنت على ما في يدي قادرًا ؟! وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار "[7].
ღخطورة الإعجاب بالنفس "مهم جدا"ღ
يؤدي إلى غضب الله ومقته:
قال صلى الله عليه وسلم: " من تعظم في نفسه، واختال في مشيته، لقى الله وهو عليه غضبان"[8].
وقال عليه الصلاة والسلام: " النادم ينتظر الرحمة، والمُعجب ينتظر المقت"[9].
فإن قلت: لماذا يتعرض المُعجب بنفسه لمقت الله ؟!
يتعرض لذلك لأنه جاحد لفضل ربه العظيم عليه ..
تخيل أنك تساعد شخصًا على قضاء حاجة له، فإذا به يذهب بعد قضائها إلى آخر ليحمده .. ماذا ستكون مشاعرك نحوه ؟! وماذا لو تكرر ذلك مرات ومرات ؟!
إنه لمن الطبيعي أن يفرح العبد بفضل ربه، على كل نعمة يسديها إليه، وعمل صالح يوفقه إلى فعله.
فإن لم يفعل ذلك وجحد نعم ربه عليه، بل فرح بنفسه وحمدها على ما لم تفعله، فماذا سيكون وضعه عند ربه ؟! .. إنه المقت والعياذ بالله.
لذلك قال ابن الحاج في المدخل: من كان في نفسه شيء فهو عند الله لا شيء[10].
وقال كعب لرجل رآه يتتبع الأحاديث:
اتق الله وارض بالدون من المجالس، ولا تؤذ أحدًا، فإنه لو ملأ علمك ما بين السماء والأرض مع العُجب ما زادك الله به إلا سفالًا ونقصًا.
وقيل للسيدة عائشة رضي الله عنها: متى يكون الرجل مسيئًا ؟ قالت: إذا ظن أنه محسن[11].
تابع...